رياضة

طارق التائب: الموهوب حجته معه

طارق التائب موهبة قلما رأينا مثلها في الملاعب العربية.. كيف حرمته الظروف من أن يصل إلى العالمية ويصبح أسطورة حقيقية؟

future لاعب كرة القدم الليبي السابق طارق التائب

«ظننت أننا تركنا مارادونا في الأرجنتين. من أنت؟ ما هي جنسيتك؟ هل أنت لاتيني؟»

هذا الحديث الخيالي كان نص ما قاله الأرجنتيني مارسيلو بييلسا لطارق التائب، وفقاً لرواد المنتديات العربية مطلع الألفية الثالثة، عقب المباراة التي جمعت منتخب ليبيا ومنتخب التانجو في عام 2003.

بالطبع، لم يقل بييلسا شيئاً مشابهاً، ولم يستشهد التائب بهذه القصة في أي مناسبة لاحقة، لكن الأكيد أن ما قدمه البرنس في هذه المباراة كان كافياً جداً لاختلاق قصص أسطورية عن موهبة قلما رأينا مثلها في الملاعب العربية.

أنا ضد الجميع

يؤمن طارق التائب أن كرة القدم لعبة الفقراء، لا يتقنها من عرفوا معنى الرخاء والترف، لكنه تعلم ذلك بالطريقة الصعبة؛ فقد كان التائب ابناً لأسرة فقيرة تسكن طرابلس، لعب عاماً كاملاً دون حذاء؛ لأنه لم يكن يمتلك المال لشراء واحد؛ إذ كان يقترض حذاءً في يوم المباراة فقط.

كان طارق أفضل أبناء منطقته لعباً للكرة، لقبه أصدقاؤه بطارق كيغان، نسبةً للنجم الإنجليزي كيفين كيغان، مهاجم ليفربول وهامبورج الأسبق.

سرعان ما التحق طارق بالفئات السنية لنادي أهلي طرابلس، قبل أن يمثل الفريق الأول للنادي عام 1994، لتبدأ قصته الحقيقية مع كرة القدم؛ قصة اللاعب الذي حرمته الظروف من أن يصبح أسطورة حقيقية.

«لو كانت جنسيتي جنسية تانية، لكنت لعبت في أفضل فرق أوروبا. في تونس، كان زملائي يستهزئون بجنسيتي الليبية؛ لأنهم لم يسبق أن شاهدوا محترفاً ليبياً».

— طارق التائب

يعتقد طارق أن جنسيته الليبية حرمته من اللعب في مستوى عالٍ؛ لأن ليبيا وقتما كان لاعباً لم تكن قد عرفت نظام الاحتراف بعد؛ إذ لم تكن توفر كرة القدم حاجات اللاعبين المادية، كما لم يكن الدوري الليبي فاترينة جيدة لعرض المواهب.

يروي التائب عادة 3 قصص توضح ما تعرض له من ظلم لكونه ليبياً، والتي يعتقد أنها كانت كافية جداً لإنهاء مسيرته، إلا أنه كان دائماً قادراً على العودة والرد في الملعب قدر الإمكان.

القصة الأولى تدور حول تعنت اتحاد الكرة الليبي معه وعدم إرسال المستندات التي تسمح له بالانتقال ليوفنتوس الإيطالي عام 1995 بعدما أقنع مسئولي السيدة العجوز بإمكانياته.

القصة الثانية التي تبدو أكثر منطقية، وهي فشله في الالتحاق بأحد أندية الدوري الإنجليزي في منتصف الألفية الثالثة لعدم قدرته على استخراج تصريح عمل في إنجلترا بسبب تأخر ترتيب منتخب ليبيا في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم.

أما القصة الثالثة فهي باختصار أن الساعدي القذافي، نجل معمر القذافي، كان سبباً مباشراً في عدم تحوله للاعب عالمي، بدافع ما وصفه بالغيرة أحياناً، والحسد في أحيان أخرى.

عصر القذافي الصغير

«دفع الساعدي 400 ألف دولار لرئيس نادي جنوى لمنعي من الانتقال إلى النادي الإيطالي».

— طارق التائب

في الفصل الثالث من الكتاب الأخضر تحدث معمر القذافي عن رؤيته للرياضة؛ إذ شبهها بالصلاة؛ بمعنى أنه من الغباء أن تحتشد الجماهير لمشاهدة فئة محددة تؤديها، بدلاً من تأديتها بأنفسهم. خلف هذه الرؤية الغريبة مجموعة من التفسيرات، التي قد تقودنا في النهاية إلى رغبته في أن يظل الرجل الأكثر نجومية في ليبيا.

على العكس تماماً كان الساعدي، نجله الثالث، يرى أنه نجم، يمكنه لعب كرة القدم بشكل احترافي، يقود المنتخب الليبي، في نفس الوقت الذي يشغل به منصب رئيس اتحاد كرة القدم، إضافة لرئاسته لأحد الأندية.

في ظل هذا الوضع الهزلي كان طارق التائب قد أيقن أن سبيله الوحيد للقمة هو الهروب من ليبيا نحو البرتغال، مستغلاً حادثة إطلاق حرس الساعدي للنار في نهائي كأس ليبيا 1996، والتي أوقف نشاط كرة القدم الليبية على إثرها.

طبقاً للتائب، كان هروبه للبرتغال مدعاة لعقابه وحبسه حليقاً لـ 12 يوماً عند عودته في إجازة من ناديه البرتغالي، لكنه رغم ذلك، ظل مصمماً على عدم اللعب داخل ليبيا رغم التهديدات التي ظلت تلاحقه من معاوني الساعدي طوال مسيرته.

يدعي التائب أنه لم يكن يخشى الساعدي؛ إذ أخبره وجهاً لوجه أنه أفضل لاعب ليبي، كما زعم أن الساعدي كان حريصاً على انتقاده أمام لاعبي ومدربي منتخب ليبيا، الذين كانوا يظهرون اتفاقاً مع نجل الرئيس أمامه، أما من خلفه، فكان التائب هو الأفضل دون شك.

في 2011، اشتعلت الثورة الليبية التي انتهت بانهيار نظام معمر القذافي. في مارس من نفس العام، صرح التائب، بصفته قائداً لمنتخب ليبيا بعد أحد المباريات في التصفيات المؤهلة لأمم أفريقيا 2012 قائلاً: «نلعب من أجل معمر القذافي، هؤلاء الثوار هم مجرد مجموعة من الكلاب والجرذان».

هنا علينا أن نتوقف للحظة؛ لأن كل ما سبق من محاولات لإظهار التائب في ثوب المظلوم حدث بأثر رجعي؛ فكل المقابلات، التصريحات، التقارير التي نشرت عن كونه ضحية كانت بعد سقوط نظام القذافي. أين الحقيقة إذن؟

موهوب كما يقول الكتاب

بمراجعة مسيرة طارق مرة أخرى يتضح لنا نمط واضح، وهو أنه منذ خروجه من ليبيا أول مرة، لم يستمر في نادٍ واحد أكثر من موسم، باستثناء فترته في الهلال السعودي، والتي شهدت إيقافه لـ 4 أشهر من قبل الاتحاد الدولي، لفسخه عقده مع فريق «غازي عنتاب» التركي من طرف واحد عام 2006.

المثير هو تناقض طارق الذي ادعى دفع رئيس النادي التركي لمليون ونصف مليون دولار من تحت الطاولة لإيقافه، على الرغم من أن التعويض الذي حصل عليه الفريق التركي لم يتخطَّ حاجز الـ 600 ألف دولار.

بالمزيد من البحث تظهر مقابلة تلفزيونية تجمع بين طارق التائب وبين الساعدي، الذي شغل آنذاك منصب نائب رئيس الاتحاد الليبي لكرة القدم، ويصفه خلالها بالعمود الفقري لمنتخب ليبيا.

بالطبع، يمكن الطعن بسهولة في هذه المقابلة؛ فإذا ما افترضنا أن الساعدي تحكَّم بشكل كامل في كرة القدم الليبية، بالتالي يستحيل أن ينطق التائب بأي انتقاد له على الهواء مباشرة.

لكن في يونيو 2007 يجدد التائب ثناءه على سيف الإسلام القذافي، الذي توسط لحل مشكلة له مع اتحاد كرة القدم الليبي أثناء وجوده مع الهلال السعودي في الفترة بين 2006 و2009، كما أكّد وقوف الساعدي القذافي بجانبه «وقفة لا ينساها» أثناء إحدى أزماته مع النجم الساحلي التونسي عام 2000.

في الحقيقة، بدا طارق التائب متناقضاً جداً، لدرجة أنه نفى تأييده لنظام القذافي لاحقاً، قبل أن يغير موقفه مرة ثالثة مكتفياً بوصف موقفه «بالرأي الشخصي» الذي لا يهم أحداً.

يمكننا أخيراً النظر لطارق التائب من زاوية جديدة؛ لاعب موهوب جداً، بكل ما تحمله «باقة الموهبة» تلك من أنا عالية وشعور دائم بالاستحقاق.

ربما دفع التائب بالفعل ضريبة كونه ليبياً في بعض الأحيان، لكن ربما يمكننا أيضاً أن نُشكك في أن الغيرة وحدها دفعت الجميع لمحاربته؛ لأن الأكيد أن أزمات طارق التائب كانت أكثر بكثير من كرة القدم التي قدمها طوال عقدين من لعب كرة القدم.

لماذا لم يصل طارق التائب للمستوى العالي؟

«أعتقد أن مشكلة طارق كانت احترافية، لا يمكن الاختلاف على إمكانياته الفنية، لكنه امتلك بعض الخصال التي ربما لم تساعده على الاحتراف في أوروبا: كان سريع الانفعال، لم يكن الأجهز بدنياً. اللعب في أوروبا يحتاج لاعباً متكاملاً».

— حاتم الطرابلسي، لاعب أياكس السابق وزميل طارق التائب

# طارق التائب # كرة القدم

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟
فانتازيا: ليلة في مقام سيدي مارادونا

رياضة